أفغانستان- من المقاومة إلى الدولة، التحديات والفرص في ظل حكم طالبان.

بعد عقدين شهدا صراعًا مريرًا بين حركة طالبان الأفغانية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وقبيل الانسحاب الأخير للجنود الأميركيين من مطار كابل، تمكنت حركة طالبان من بسط سيطرتها الكاملة على الأراضي الأفغانية، وتُوِّج هذا الانتصار بالاستيلاء على العاصمة الأفغانية كابل في الخامس عشر من أغسطس/آب 2021.
وبعد مرور شهر تقريبًا على إحكام قبضتها على كل شبر من الأراضي الأفغانية، بادرت حركة طالبان إلى تشكيل إدارة أطلقت عليها اسم حكومة تصريف الأعمال، وذلك بهدف تسيير شؤون البلاد، مما دشّن حقبة جديدة في مسيرة الحركة، حيث انتقلت من كونها جماعة مسلحة تقاوم الاحتلال الأجنبي، إلى سلطة تتولى مقاليد الحكم وتدير دفة الأمور في أفغانستان.
التعامل دون الاعتراف الرسمي
على الرغم من انقضاء ما يقارب السنتين وسبعة أشهر على تولي حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية زمام الأمور، وعلى الرغم من عدم اعتراف أي دولة في العالم بهذه الحكومة رسميًا، فإن دول العالم تواصل تعاملها معها على مختلف الأصعدة والمستويات. وفي هذا السياق، تُبذل جهود حثيثة من قبل منظمة الأمم المتحدة لتوحيد الموقف الدولي تجاه أفغانستان وتنسيق المساعدات الإنسانية الدولية الموجهة للشعب الأفغاني.
ويُعد الاجتماع المزمع عقده في العاصمة القطرية الدوحة يومي الثامن عشر والتاسع عشر من شهر فبراير/شباط الجاري، برعاية الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، مثالًا ونموذجًا بارزًا لهذه الجهود.
الصورة ليست سوداء أو بيضاء
إن الأوضاع السائدة في أفغانستان لا تتسم بالقتامة والسواد المطلق كما تصورها قطاعات واسعة من وسائل الإعلام العالمية، ولا سيما الإعلام الغربي، وفي الوقت ذاته، لا تخلو من المشكلات والتحديات الجسام كما قد يتوهم البعض. فبعد مرور ما يقارب السنتين وسبعة أشهر على تولي حركة طالبان مقاليد الحكم في أفغانستان، يمكن القول إن هناك إنجازات ومكاسب هامة تحققت للحكومة التي تقودها الحركة، إلا أن هناك أيضًا معضلات وتحديات جمة تواجه حكم طالبان.
الإنجازات والمكتسبات
يمكن تلخيص أبرز إنجازات ومكتسبات حكومة حركة طالبان خلال السنتين والسبعة أشهر الماضية في النقاط التالية:
- تحرير أفغانستان من براثن الاحتلال الأميركي وتخليصها من وطأة الوجود الأجنبي المسلح وتدخله السافر في شؤون البلاد الداخلية.
- وضع حد للحرب والاقتتال الداخلي الدائر بين الأطراف الأفغانية المتناحرة.
- توفير الأمن والاستقرار بشكل ملحوظ في كافة ربوع البلاد بعد عقود طويلة من الفوضى والاضطرابات.
- قيام إدارة وحكومة مركزية محكمة السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية.
- تشكيل الجيش الوطني وقوات الشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة.
- إصدار عفو عام وشامل عن مسؤولي النظام السابق من قبل حكومة تصريف الأعمال، وذلك بهدف منع استمرار دوامة الانتقام والتصفيات والثارات.
- تحقيق استقرار نسبي في حركة التجارة وتوفر السلع والمواد الأساسية في الأسواق.
- تحسن ملموس في قيمة العملة الأفغانية، وارتفاع سعر صرفها مقابل الدولار الأمريكي وبقية العملات الأجنبية الأخرى.
- تقليل الفساد الإداري المستشري في الأجهزة الحكومية والمؤسسات الرسمية.
- تقليل ملحوظ وكبير في زراعة وإنتاج المخدِّرات وترويجها وتصديرها إلى الخارج.
- الشروع في استغلال واستخراج المعادن والذخائر الطبيعية الكامنة في باطن الأرض، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي.
- تحصيل الضرائب والرسوم لدعم وتعزيز الإيرادات الحكومية.
- اعتماد ميزانية الحكومة على الإيرادات الداخلية الذاتية، وترشيد الإنفاق الحكومي والحد من الهدر.
- تنفيذ جملة من مشروعات البنى التحتية الحيوية، كبناء الطرق وتعبيدها وتصليحها، واستغلال الثروة المائية الهائلة.
- استمرار عمل الموانئ والمطارات وفتحها أمام حركة النقل والشحن الجوي والبحري.
- إقامة علاقات جيدة ووطيدة مع دول الجوار الإقليمي ومنع استخدام الأراضي الأفغانية للإضرار بمصالح الدول الأخرى.
- مواصلة عمل المؤسسات والمنظمات الدولية العاملة في القطاع الصحي والإغاثي والإنساني.
-
فرصة للاستقرار والتنمية
إن مجمل الإنجازات والمكاسب المذكورة لحكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى عوامل وظروف أخرى، تهيئ فرصة سانحة وكبيرة لأفغانستان للخروج تدريجيًا من تركة الماضي المثقل بالحروب والانقسامات والنزاعات التي أنهكت كاهل الشعب الأفغاني، ودمرت مقدرات الوطن، شريطة أن تحسن حركة طالبان وبقية الأطراف الأفغانية الأخرى التصرف بحكمة وتعقل، وذلك من خلال استغلال الفرص المتاحة حاليًا للتوافق على القواسم المشتركة الوطنية - وهي لحسن الحظ كثيرة - بهدف النهوض بأفغانستان نحو السلام والاستقرار الدائمين.
إن أفغانستان تمتلك في الوقت الراهن فرصة ذهبية لطي صفحة الماضي بكل ما انطوت عليه من سلبيات وإخفاقات، وفتح صفحة جديدة للتغلب على التحديات الجاثمة والسعي الجاد نحو تحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة، من أجل بناء مستقبل أفضل ومزدهر للشعب الأفغاني، الذي عانى ويلات الحروب والصراعات المريرة على مدى ما يقارب الخمسة عقود.
من المقاومة إلى قيام الدولة
إن حركة طالبان، بحكم موقعها الحالي على رأس السلطة، تتحمل مسؤولية جسيمة وكبيرة تجاه الوطن والمواطنين جميعًا. فهناك بون شاسع وفرق كبير بين كون حركة طالبان جماعة مقاتلة في السابق تقاوم الاحتلال الأجنبي، وبين كونها تمسك بزمام الحكم وتدير البلاد في الوقت الراهن. فلكل مرحلة من هاتين المرحلتين طبيعتها الخاصة ومتطلباتها المختلفة. فالجماعة المقاتلة يكون لها هدف محدد وواضح، ويتركز نشاطها ونضالها على القتال من أجل تحرير الوطن ودحر الغزاة.
أما الحكومة، فهي المسؤولة عن إدارة شؤون البلاد برمتها، ويتطلع المواطنون منها إلى تحقيق الحكم الرشيد، وتوفير الظروف المعيشية الكريمة والحياة الرغيدة. وعلى صعيد العلاقات الخارجية، ينتظر المجتمع الدولي منها أن تكون دولة مسؤولة، تنسجم مع النظام الدولي، وتفي بمسؤولياتها والتزاماتها، وتلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، ما لم تتعارض مع السيادة الوطنية والاستقلال التام.
ومن البديهي والمسلم به في هذه المرحلة الدقيقة أن تجد حركة طالبان - قيادة وقاعدة - نفسها أمام مسؤوليات جسيمة وتحديات جمة تتطلب منها قدرًا كبيرًا من الوعي العميق، والفطنة، والحنكة السياسية، والحزم في التعامل مع الواقع الجديد بكل تعقيداته وتداعياته.
وقد أشار نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الملا عبد الغني برادر إلى هذه الحقيقة الجلية عندما قال في كلمته عقب دخول قوات حركة طالبان مدينة كابل: "من اليوم بدأ الاختبار الحقيقي لحركة الطالبان".
ومما لا شك فيه أن النهوض بأفغانستان وانتشالها من براثن النزاعات والصراعات التي شهدتها في الماضي يتطلب المساهمة الفعالة والمشاركة البناءة والتعاون الوثيق من جميع مكونات الشعب الأفغاني رجالًا ونساءً، وذلك على أساس القواسم المشتركة الوطنية التي تجمع الشعب الأفغاني بكافة أطيافه وتوجهاته وخلفياته المتباينة.
وعلى حركة طالبان وحكومتها أن توفر الظروف والإمكانات الملائمة لجمع شمل الشعب الأفغاني على تلك المشتركات الجامعة، وعلى بقية الفصائل والشخصيات الأفغانية أن تتعاون بجد وإخلاص مع الحكومة من أجل قيادة البلاد نحو الاستقرار المنشود والأمن المستدام.
أولويات المرحلة
نظرًا للتحديات الجسام التي تواجهها أفغانستان في الوقت الراهن، يمكن تحديد الأولويات الملحة التي يجب أن تحظى باهتمام الحكومة وبقية الأطراف الأفغانية الأخرى في الوضع الراهن، وذلك في النقاط التالية:
- تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وإرساء التفاهم الوطني العميق لبناء الدولة الحديثة القوية والقضاء بصورة نهائية على احتمال نشوب الحرب والنزاع من جديد، وقيادة البلاد بثبات نحو الاستقرار السياسي الدائم. ومما لا شك فيه أن الاستقرار السياسي يشكل الأساس المتين لبناء الدولة القوية وإعادة إعمار أفغانستان والتنمية الاقتصادية الشاملة، ولا يمكن تحقيق التنمية والتقدم المضطرد في سائر مجالات الحياة بمعزل عن الأمن والاستقرار الدائمين.
وثمة حقيقة دامغة أثبتها التاريخ الحديث لأفغانستان، وهي أن سيطرة جماعة أو حزب ما بقوة السلاح على أفغانستان، لا تعني بالضرورة القضاء التام على احتمالات نشوب الحرب وعودة الاضطرابات والفتن.
فبلد مثل أفغانستان، الذي يعيش في خضم الحروب والاضطرابات المتواصلة منذ خمس وأربعين سنة أو أكثر، يحتاج إلى سنوات طويلة من العمل الدؤوب والجهود المضنية ليصل إلى السلام والاستقرار الحقيقي المنشود، ويستعيد عافيته المفقودة، ويتم القضاء فيه بصورة جذرية على أسباب نشوب الحروب الداخلية والصراعات والاضطرابات. وتعد المصالحة الوطنية الصادقة والشاملة، هي الضمانة الحقيقية والوحيدة لسير البلد بثبات نحو الاستقرار والازدهار.
وهناك شبه إجماع بين المحللين والمراقبين السياسيين على أن الشعب الأفغاني ينتظر بفارغ الصبر من قيادات أفغانستان الجديدة أن تدرك روح العصر الحاضر، وتتفهم الاحتياجات الأساسية لأفغانستان، وعلى رأسها بناء دولة عصرية تتمتع برضا الشعب الأفغاني وتأييده المطلق في الداخل، وتحظى في الوقت نفسه بقبول المجتمع الدولي وثقته في الخارج، وتستطيع بمهارة فائقة رعاية التوازن الدقيق بين الحفاظ على قيم الشعب الأفغاني الدينية والثقافية والوطنية الأصيلة، وبين الالتزام بقيم التعايش العالمي بتعقيداته وظروفه.
- وضع دستور جديد للبلاد يعكس الواقع المعاش في أفغانستان، ويلبي طموحات وتطلعات الشعب المشروعة؛ لأن الدستور يشكل الإطار الأمثل لبناء الدولة القوية وسيادة القانون وقيام نظام سياسي حديث ودائم للبلاد يقود أفغانستان نحو دولة القانون والاستقرار السياسي، ويغلق بصورة نهائية باب الفوضى وعدم الاستقرار في بلد أنهكته الحروب الأهلية المدمرة والغزو الأجنبي الغاشم.
وغني عن البيان أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار والتنمية المنشودة والحكم الرشيد إلا في ظل وجود مرجعية دستورية واضحة المعالم وحكم القانون العادل.
- التخطيط الدقيق والمدروس لتحسين الوضع الاقتصادي المتردي والسعي الجاد والمخلص لجلب الاستثمارات الضخمة والمساعدات الدولية السخية؛ من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب وتلبية الاحتياجات الأساسية للبلد.
إن النهوض باقتصاد أفغانستان في صورة الاهتمام الجاد بالبنية التحتية المتهالكة، وتوفير فرص العمل الكريمة لجيل الشباب الواعد، وتقديم الخدمات الأساسية الضرورية للمواطنين من تعليم جيد، وعلاج فعال، وكهرباء ومياه نظيفة، ومواصلات ميسرة، ومكافحة الفقر المدقع، يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الحكم القائم في أفغانستان في الوقت الراهن.
ومما لا شك فيه أن ضعف أداء الحكومة أو فشلها الذريع في إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي سيكون له انعكاسات كارثية وخيمة على أفغانستان، وسيفتح الأبواب مشرعة لتردي الأوضاع على مختلف أصعدة الحياة السياسية والاجتماعية والتعليمية والأمنية وغيرها.
- التعامل المناسب والحذر مع الواقع الجديد الذي تشكَّل في أفغانستان خلال السنوات الثلاث والعشرين الماضية، حيث أن المجتمع الأفغاني اليوم يختلف اختلافًا جوهريًا عما كانت عليه الحال خلال فترة حكمِ طالبان الأول في التسعينيات من القرن المنصرم.
واستنادًا إلى بعض الإحصائيات المتوفرة، يشكل الشباب نحو ستين بالمئة من إجمالي عدد سكان أفغانستان البالغ عددهم (35) مليون نسمة - وفق بعض التقديرات غير الدقيقة، وفي غياب إحصائية دقيقة وشاملة - وقد نشأ هذا الجيل الشاب في عصر الإنترنت والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والتلفاز الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي المتطورة. ولا شك أن التطور الهائل الذي حصل في مجالات التعليم والتعليم العالي والإعلام في أفغانستان أسهم بصورة كبيرة في نشأة جيل جديد لا يقبل بالظلم والاستبداد ولا يرضخ لما يفرض عليه بالقوة والعنف.
- رفع القيود التعسفية المفروضة على المرأة الأفغانية في مجالات التعليم والعمل المختلفة، فقد أغلقت أبواب المدارس المتوسطة والثانوية أمام الفتيات، كما يمنع النظام المرأة الأفغانية من الذهاب إلى الجامعات والمعاهد العليا منذ شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2022، إضافةً إلى منع النساء من العمل في المؤسسات والدوائر الحكومية - باستثناء قطاعات التعليم الابتدائي والصحة والأمن - الأمر الذي يعتبره العديد من المحللين والمراقبين محاولة سافرة من حكومة تصريف الأعمال للتغييب التدريجي والممنهج للمرأة الأفغانية عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والسياسية، وتعطيل طاقات نصف المجتمع المعطلة.
إن السياسة التي تنتهجها حكومة تصريف الأعمال وطريقة تعاملها مع قضية المرأة الأفغانية، بحاجة ماسة إلى إعادة نظر شاملة وتقويم جذري؛ لأن استمرار منع تعليم الفتيات بعد المرحلة الابتدائية ومنع النساء من العمل قد تحول بالفعل إلى معضلة حقيقية وعقدة مستعصية في الداخل، كما صار عائقًا كبيرًا أمام تطبيع علاقات المجتمع الدولي مع أفغانستان، واندماجها الكامل في الأسرة الدولية.
- اتخاذ الخطوات والإجراءات الجادة والعملية لإعادة ثقة الشباب والكوادر الوطنية المؤهلة بالمستقبل المشرق، وتشجيعهم بكل الوسائل الممكنة على البقاء في الوطن، وعدم مغادرة البلاد؛ لأن موجة هجرة الشباب والكفاءات والكوادر المتخصصة من أفغانستان مازالت مستمرة بقوة ومثيرة للقلق الشديد، ولها انعكاسات سلبية خطيرة على مستقبل أفغانستان ومقدراتها التنموية.
- النظر مليًا في كيفية التعامل الرشيد مع ملف العلاقات الخارجية والتعامل البنَّاء والإيجابي مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، بحيث يحافظ ذلك على مصالح أفغانستان العليا ويوطد دعائم الثقة المتبادلة ويبني الجسور المتينة، ولا يترك مجالًا لدفع أفغانستان إلى دائرة العزلة والقطيعة مع العالم.
واليوم وبعد مرور سنتين وسبعة أشهر، لم تعترف أية دولة في العالم بالحكومة القائمة في أفغانستان، ومازالت مشكلة عدم الاعتراف تعرقل بشدة عودة أفغانستان إلى الأسرة الدولية، واستعادة مكانتها الطبيعية المستحقة في منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والمؤسسات الدولية.
ومما لا شك فيه أن التعاطي الإيجابي والفعال مع ملف الحصول على الاعتراف الدولي الرسمي، يتطلب من السلطات الأفغانية التعامل الإيجابي والمرن مع المطالب المشروعة للمجتمع الدولي التي تتفق في جوهرها مع مطالب الشعب الأفغاني ولا تضر إطلاقًا بمصالحه الوطنية العليا.
الحوار والتعاون على المشتركات
إن الحفاظ على المكتسبات والإنجازات التي تحققت ومواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه أفغانستان - وفي مقدمة ذلك إعادة ثقة المواطن الأفغاني بالمستقبل المشرق - يتطلب درجة عالية من المعرفة المتعمقة، والخبرة الواسعة، والحكمة السديدة، والدراية الكافية، والحنكة السياسية، إضافة إلى رعاية التوازن الحساس بين مقتضيات الواقع الداخلي بكل تعقيداته، والوضع الدولي بكل متغيراته.
إن إخراج البلاد من الأزمة الخانقة يتطلب إجراء حوار داخلي أفغاني شامل، وتعزيز التعاون والمشاركة البنَّاءة من جميع الأطراف ومكونات المجتمع الأفغاني، بما في ذلك النخب الأكاديمية والسياسية والاجتماعية؛ بغية التوصل إلى رؤية موحدة من شأنها التعرف الدقيق على الأولويات الوطنية الملحة، والتغلب على التحديات الجاثمة، لضمان تحقيق الاستقرار والسلام الدائمين في أفغانستان، وتطبيع علاقاتها المتوترة بالمجتمع الدولي والاندماج الكامل فيه.
وللوصول إلى هذا الهدف السامي، ثمة حاجة ماسة إلى إجراء حوار داخلي أفغاني حقيقي وبناء بين مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية ومكونات المجتمع الأفغاني دون إقصاء أو تهميش أي جهة أو طرف.
وينبغي أن يتمخض هذا الحوار الداخلي الأفغاني البناء عن التوصل إلى رؤية واضحة وموحدة وإرساء أرضية مشتركة قابلة للقبول من جميع الأطراف، تشجع جميع الأطراف الأفغانية الفاعلة والمؤثرة على التفاهم والتقارب ونبذ الخلافات، ومن ثم التعاون الوثيق من أجل عبور البلاد بسلام وأمان إلى السلم المجتمعي المنشود، والاستقرار الدائم الذي هو الأساس المتين لعملية التنمية الشاملة وحل مشكلات البلد المزمنة والتغلب على كافة التحديات الجاثمة.
